معمل نفايات الطيبة، هو واحد من بين حوالى خمسة عشر معملاً صغيراً لفرز النفايات في جنوب لبنان، توزعت ما بين قراه وبلداته، ابتداء من معركة إلى كفرصير الى ميس الجبل مروراً بشقرا وخربة سلم وعيترون وقبريخا والقليعة... وغيرها من المعامل التي ساهم في تمويلها وتنفيذها جمعيات وهيئات محلية ودولية، في محاولة منها للحد من مشكلة تراكم النفايات المنزلية. هذه المعامل التي طالما حذر الكثير من البيئيين، ولا سيما في حزب البيئة اللبناني، من تعثرها، بسبب صغر حجمها، ومتطلبات صيانتها الدائمة وعدم قدرة البلديات على إدارتها، وكلفة تشغيلها التي تفوق قدرات البلديات، بعد انتهاء مفعول المنحة المقدمة للإنشاء، وعدم اندراجها ضمن الخطط الوطنية للدولة اللبنانية.
صحيح أن بعض هذه المعامل قد أثمرت تحقيق تقدم ملموس في عملية الجمع. لكن التقييم الفعلي للعملية لا يزال يحتاج للإجابة على عدد من الأسئلة، أهمها ما يتعلق بدور وزارة البيئة في المراقبة والإشراف على الأعمال الجارية لمعرفة مدى ملاءمتها للشروط البيئية المطلوبة، ولا سيما لنوعية الكمبوستاج المستخرج منها، ولمصير بعض الفضلات الناجمة عن عمليات الفرز، وهل أن هذه المعامل كانت التزمت بإعداد دراسة للأثر البيئي قبل الموافقة على إقامتها؟ وهل تم تأسيسها بناءً لرغبة الجهات المانحة فوجدت فيها البلديات فرصة سانحة التقطتها دون تردد، من دون أن تسأل عن مدى ارتباطها بالخطط الوطنية وعن جدواها وسبل ديمومتها، على المدى البعيد؟
أسئلة حاولت «السفير» تلمس الإجابــة عنها من خلال مراجعة تجربة معمل الفرز في بلدة الطيبة.
عندما قررت بلدية الطيبة في قضاء مرجعيون إنشاء معمل لفرز نفاياتها داخل نطاقها البلدي، كانت في البداية تطمح إلى التخلص من جبال النفايات المكدسة على جوانب الطرق وزوايا الشوارع والتي كانت لا تزال تتكدس كل يوم دون أفق ينبئ بانتهاء وشيك للمشكلة.
وبالفعل فقد أقيم المعمل منتصف العام 2003 على أرض تقدر مساحتها بحوالى دونم ونصف الدونم، بمواكبة ودعم من جمعية الشبان المسيحيين، وتكفلت البلدية بتشغيل سبعة من العمال بدوام يومي يصل حتى سبع ساعات، واستمر العمل على هذا المنوال حتى عشية العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 الذي أذاب الثلج وأظهر المرج.
مفاجآت ما بعد الحرب
لم تكن الدراسة التي أعدت حول القدرة الاستيعابية للمعمل واقعية تماماً، فقدرته الاستيعابية أكبر من عدد السكان المقيمين في بلدة الطيبة وحدها والمقدر عددهم بحوالى 8 آلاف نسمة، وكان لا بد من إشراك قرى وبلدات إضافية حتى تتأمن الجدوى المطلوبة، لكن المجلس البلدي بناءً على قول رئيس البلدية المهندس حسن قازان، رفض في لحظة من اللحظات استقبال نفايات أية قرية أخرى لأنه غير مسؤول عن حل مشاكل الآخرين. لكن تبين لاحقاً أن مجالس بلديات القرى المحيطة قد رفضت بدورها ترحيل نفاياتها الى المعمل، من جهة بسبب كلفة النقل العالية، ومن جهة أخرى بسبب اقتناعها بأن المطامر التي أقامتها على أراضيها لا تترك أي أثر سلبي، لا على البلدات المعنية ولا على المحيط، وذلك بالرغم من عدم وجود دلائل علمية أو دراسات تؤكد أو تنفي وجود ضرر ما على المياه الجوفية أو عدمه.
عدم وجود دلائل علمية أو دراسات تؤكد أو تنفي وجود ضرر ما على المياه الجوفية أو عدمه.
ومع الوقت تعاقدت البلدية مع إحدى المؤسسات في منطقة الشويفات لبيعها كامل إنتاجها من المواد غير العضوية دفعة واحدة لقاء مردود شهري وصل تقريباً لحدود 800 دولار، ما سمح لها بالحصول على دخل ثابت كان يساهم في تغطية جزء من النفقات التشغيلية للمعمل. واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن أبرز عدوان تموز كامل المشاكل وجعلها تطفو على السطح.
بعد الحرب تبين أن الترانس (المحول) المخصص لتشغيل المعمل قد توقف، فيما تمت سرقة كابلات الشبكة المرتبطة به، ما اضطر البلدية إلى توفير مولد خاص للتشغيل، لكنها سرعان ما اكتشفت أن كلفة المازوت العالية المطلوبة للتشغيل أصبحت أكبر من طاقتها، خاصة مع تراكم أعباء ما بعد الإعمار. وقد تبين أيضاً أن الروائح المنبعثة من النفايات قيد الفرز لا تشجع العمال على الاستمرار في نشاط كهذا... الأمر الذي أدى إلى تراجع أعداد العمال إلى خمسة، فيما يصل العدد أحياناً إلى أقل من ذلك. كما تبين أن التأخر في جمع النفايات لمدة يومين خلال فصل الصيف عند عدم توفر العمال المطلوبين، كفيل بجعل النفايات تتخمر لتصدر روائح كريهة تضطر البلدية معها إلى رميها في المكب قبل إحراقها.
تكمن المشكلة الأساسية الخاصة بالمعمل ـ كما في المعامل المحيطة في البلدات التي أخذت على عاتقها خيار عدم إقامة مطامر أو عدم الحرق ـ بشكل أساسي في كون الفرز عملية لاحقة لا عملية مسبقة، فالفرز المسبق من المصدر، أي من المنازل والمكاتب، يساهم في تأمين كميات نظيفة من المواد التي يمكن إعادة تدويرها، ما يجعلها تباع بسعر أعلى من تلك التي تُفرز بعد أن تكون قد اختلطت مع مواد أخرى.
المشكلة الأخرى المتعلقة بالمعمل والمرتبطة بتكاليف التشغيل العالية ناتجة عن استخدام المازوت الذي لا تنفك أسعاره ترتفع باستمرار، وهو ما يُفترض التفكير في حله عن طريق اتخاذ خطوات مغايرة لتلك المتخذة حالياً. ربما من المفيد وفي ظل التعثر الحالي لاستخدامات الطاقة الأحفورية وارتفاع أسعارها محلياً وعالمياً، دراسة إمكانية استخدام الطاقة الشمسية أو المراوح الهوائية لتوليد الطاقة بصورة متجددة، وهو أمر ممكن في تلك المنطقة، نظراً للمساحات الشاسعة المعرضة للشمس والريح باستمرار التي تحيط بالمكان.
من المفيد أيضاً ولضمان استمرارية نجاح المعمل أن يُعاد ترتيب أولويات الجمع باعتبار النظر إلى مجموع قرى اتحاد جبل عامل المحيطة بمنطقة الطيبة والتي تضم بالحد الأدنى سبع قرى، وهذا الأمر يمكنه أن يعيد تشغيل المعمل بطاقته الإنتاجية القصوى التي كانت مقررة له عندما أتُخذ قرار إنشائه.
ما كانت بلدية الطيبة، وغيرها من البلدات التي تعاني مشاكل مماثلة في معامل فرز النفايات، قد وصلت إلى مآزق في إدارة وتشغيل المعمل، لو أنها كانت مرتبطة بجهاز إداري مركزي يتابع تنفيذ خطة كان من المفترض أن توضع تفاصيلها منذ أمد بعيد، وهي دراسة، استناداً إلى تقارير تقدم العمل الصادرة عن مجلس الإنماء والإعمار، كان المجلس قد وصل فيها إلى مرحلة التأهيل المسبق للاستشاريين اعتباراً من العام ,1996 وهي تتعلق بالجدوى الاقتصادية التي يمكن تحصيلها جراء عملية الفرز، إلا أنه لم يكن يراد لهذه الدراسة أن تنجز فبقيت حتى الآن «قيد الدرس».
وفي عام ,2003 واستناداً إلى تقارير تقدم العمل نفسها، أعاد مجلس الإنماء والإعمار وضع دراسة مستقبلية أخرى للمشروع البيئي للتخلص من النفايات المنزلية لتنفيذه على كامل الأراضي اللبنانية. اعتمدت الخطة على بناء 12 مطمرا و7 مراكز للفرز ومثلها للتسبيخ إضافة إلى 13 محطة للترحيل، كما لحظت الخطة إغلاق المكبات الحالية وإعادة تأهيلها وتأمين الآليات المناسبة لتنظيف الطرقات.. الخ.
وقد قامت الخطة بالاعتماد على «المطامر الصحية» كجزء لا يتجزأ من الحلول المستقبلية، والاعتراف بتشجيع برامج خفض كميات النفايات الى الحد الأدنى عند المصدر: فرز منزلي ومحلي. كما تشجع على استخراج الطاقة من النفايات. لكن هذه الخطة أيضاً بقيت قاصرة، لأنها لا تنطلق من استراتيجية ولا من تشريعات ومراسيم تنظيمية محددة، فلم ينفذ منها حتى منتصف عام 2007 إلا الجزء المتعلق بالتخلص من نفايات المدن الرئيسية. فيما أعيد تلزيم دراسة تفصيلية للمواقع التي تصلح لأن تكون مطامر على الأراضي اللبنانية اعتباراً من أواخر العام الفائت.
وفي غياب الاستراتيجية والخطة الشاملة لمعالجة النفايات المنزلية، وفي غياب الرقابة التامة على التنفيذ وفق شروط السلامة العامة، وفي غياب حملات الإرشاد والتوعية التي تقع على عاتق الدولة كما على عاتق البلديات والجمعيات الأهلية، حول ضرورة اعتماد أنماط مغايرة للاستهلاك، وحول الإمكانيات الكبيرة التي من الممكن الحصول عليها جراء الفرز في المصدر... يغدو حل مشكلة النفايات في لبنان عن طريق القيام ببعض المعامل الصغيرة في القرى، جزءا من المشكلة، لا من الحل.
القسم : المشاريع المنجزة - الزيارات : [3047] - التاريخ : 19/6/2011 - الكاتب : مها جمول جريدة السفير